فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (50)}.
يتذاكرون فيما بينهم، ويذكرون مِنْ معارفهم مَنْ لا يُؤْمن باللهِ، وما آمن به المؤمنون فيخلق اللهُ لهم إطلاعًا عليه وهم في النار يحترقون.
{قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57)}.
نَطَقَ الوليُّ بالحقِّ ولكنه لم يُصَرِّحْ بعين التوحيد؛ إذ جَعَلَ الفَضْلَ واسطةً، والأَوْلى أن يقول: ولولا ربي لكنتُ من المحضرين.
{إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60) لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (61)}.
يقال: بل الملائكةُ يقولون لهم هذا، ويقال: الحقُّ سبحانه إذا أراهم مقامَهم في الجنة يقول لهم: {لِمِثْلِ هّذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ}.
ويقال إِنْ كان العابدُ يقول هذا، أو يقال له هذا إذا ظهرت الجنة فإِنه إذا بَدَتْ شظيةٌ من الحقائق وتباشير الوصلة، أو ذَرَّةٌ من نسيم القربة فبالحريِّ أن يقوْل القائلون: لِمِثْلِ هذه الحالة تُبْذَلُ الأرواحُ.
على مِثْلِ سَلْمَى يَقْتُلُ المرءُ نَفْسَه ** وإن بات من سَلْمى على اليأس طاويا

وها هنا تضيق العبارات، وتتقاصر الإشارات. اهـ.

.تفسير الآيات (62- 74):

قوله تعالى: {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62) إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63) إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65) فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (66) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ (67) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (68) إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ (69) فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ (70) وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (71) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (72) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (74)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما فات الوصف هذا التشويق إلى هذا النعيم، رمى في نعته رمية أخرى سبقت العقول وتجاوزت حد الإدراك وعلت عن تخيل الوهم في استفهام منفر من ضده بمقدار الترغيب فيه لمن كان له لب فقال: {أذلك} الجزاء البعيد المنال البديع المثال {خير نزلًا} فأشار بذلك إلى أنه إنما هو شيء يسير كما يقدم للضيف عند نزوله على ما لاح في جنب ما لهم وراء ذلك مما لا تسعه العقول ولا تضبطه الفهوم: {أم شجرة الزقوم} أي التي تعرفها بأنها في غاية النتن والمرارة، من قولهم: تزقم الطعام- إذا تناوله على كره ومشقة شديدة، وعادل بين ما لا معادلة بينهما بوجه تنبيهًا على ذلك، ولأنهم كانوا يرون ما سبب ذلك من الأعمال خيرًا من أعمال المؤمنين التي سببت لهم النعيم، فكأنهم كانوا يقولون: إن هذا العذاب خير من النعيم، فسيق ذلك كذلك توبيخًا لهم على سوء اختيارهم.
ولما كان قد أخبر أن نباتها في النار، فكان ذلك سببًا لزيادة تكذيبهم لأن عدم إيمانهم كان سببًا لضيق عقولهم، قال مؤكدًا ردًا على من يظن أن سبحانه لا يفتن عباده لأنه غني عن ذلك: {إنا جعلناها} أي الشجرة بما لنا من العظمة {فتنة للظالمين} أي الذين يضعون الأشياء في غير مواضعها كمن هو في الظلام بكونها عذابًا لهم في الأخرى وسببًا لزيادة ضلالهم في الدنيا، ولو وضعوها مواضعها لعلموا أن من جعل في الشجر الأخضر نارًا لا تحرقه يستخرجونها هم متى شاؤوا فيحرقون بها ما شاؤوا من حطب وغيره قادر على أن ينبت في النار شجرًا أخضر لا تحرقه النار، ثم نبه على أن محل الفتنة جعلها فيما ينكرونه، فقال تعالى مؤكدًا لأجل إنكارهم معللًا لجعلها فتنة تخالطهم فتحيلهم في الدنيا بحرها وفي الأُخرى بأثرها: {إنها} وحقق أمر نباتها بقوله: {شجرة} وزاد الأمر بيانًا بقوله: {تخرج} وأكده بالظرف فقال: {في أصل} أي ثابت وقعر ومعظم وقرار {الجحيم} أي النار الشديدة الاضطرام وفروعها ترتفع إلى دركاتها، ثم زاد ذلك وضوحًا وتصويرًا بقوله: {طلعها} أي الذي هو مثل طلع النخل في نموه ثم تشققه عن ثمرة {كأنه رءوس الشياطين} فيما هو مثل عند المخاطبين فيه، وهو القباحة التي بلغت النهاية، وهذا المثل واقع في أتم مواقعه سواء كان الشيطان عندهم أسمًا للحية أو لغيرها، لأن قبح الشياطين وما يتصل بهم في أنهم شر مخص لا يخلطه خير مقرر في النفوس، ولهذا كان كل من استقبح منظر إنسان أو فعله يقول: كأنه شيطان، كما انطبع في النفوس حسن الملائكة وجلالتهم فشبهوا لهم الصور الحسان، ولذلك سمت العرب ثمر شجر يقال له الأستن بهذا الاسم، وهو شجر خشن مر منتن منكر الصورة.
ولما أثبت أمرها بما هو في غاية الفتنة لها واللطف للمؤمنين، سبب عن الفتنة بها قوله: رادًا لإنكارهم أن يأكلوا مما لا يشتهونه ومكذبًا لما كانوا يدعون من المدافعة: {فإنهم} أي بسبب كفرانهم بها وبغيرها مما أمرهم الله {لآكلون منها} أي من هذه الشجرة من شوكها وطلعها وما يريد الله بما يؤلم منها.
ولما كانوا قد زادوا في باب التهكم في أمرها، زاد التأكيد في مقابلة ذلك بقوله: {فمالئون منها} ومن غيرها في ذلك الوقت الذي يريد الله أكلهم منها {البطون} قهرًا على ذلك وإجبارًا.
ولما أحرق أكبادهم من شديد الجوع زيادة في العذاب، ولما جرت العادة بأن الآكل المتنعم يتفكه بعد أكله بما يبرد غلة كبده، قال مشيرًا إلى تناهي شناعة متفكههم، وطويل تلهبهم من عطشهم، بأداة التراخي وآلة التأكيد لما لهم في ذلك من عظيم الإنكار: {ثم إن لهم عليها} أي على أكلهم منها {لشوبًا} أي خلطًا عظيم الإحراق {من حميم} أي ماء حار كأنه مجمع من مياه من عصارات شتى من قيح وصديد ونحوهما- نسأل الله العافية.
ولما كان ما ذكر للفريقين إنما هو النزل الذي مدلوله ما يكون في أول القدوم على حين غفلة، وكانوا يريدون الحميم كما يورد الإبل الماء، وكان قوله تعالى: {يطوفون بينها وبين حميم آن} [الرحمن: 44] يدل على أن ذلك خارجها أو خارج غمرتها، كما تكون الأحواض في الحيشان خارج الأماكن المعدة للإبل، قال مبينًا أن لهم ما هو أشد شناعة من ذلك ملوحًا إليه بأداة التراخي: {ثم إن مرجعهم} أي بعد خروجهم من دار ضيافتهم الزقومية {لإلى الجحيم} أي ذات الاضطرام الشديد، والزفير والبكاء والاغتمام الطويل المديد، كما أن حزب الله يتقلبون من جنات النعيم إلى جنات المأوى مثلًا إلى جنات عدن إلى الفردوس التي لا يبغون عنها حولًا كما ينقل أهل السعة والأكابر من أهل الدنيا ضيوفهم في البساتين المتواصلة والمناظر، وينزهونهم في القصور العالية والدساكر.
ولما أخبر عن عذابهم هذا، وكان سببه الجمود مع العادة الجارية على غير الحق، والتقيد بما ألفته النفس ومال إليه الطباع، مما أصّله من يعتقدون أنه أكبر منهم وأتم عقلًا، علل ذلك تحذيرًا من مثله لأنه كان سبب هلاك أكثر الخلق، وأكده لأنهم ينكرون ضلال من أصّل لهم، فتلك العوائد من آبائهم وغيرهم فقال: {إنهم ألفوا} أي وجدوا وجدانا ألفوه {آباءهم ضالين} أي عريقين في الضلال، فما هم فيه لا يخفى على أحد أنه ضلال يتسبب عنه النفرة عن صاحبه {فهم} أي البعداء البغضاء {على آثارهم} أي التي لا تكاد تبين لأحد لخفاء مذاهبها لوهيها وشدة ضعفها وانطماس معالمها، لا على غيرها {يهرعون} أي كأنهم يلجئهم ملجئ إلى الإسراع، فهم في غاية المبادرة إلى ذلك من غير توقف على دليل ولا استضاءة بحجة بحيث يلحق صاحب هذا الإسراع من شدة تكالبه عليه شيء هو كالرعدة، وذلك ضد توقفهم وجمودهم فيما أتاهم به رسولنا صلى الله عليه وسلم من شجرة الزقوم وغيرها مما هو في غاية الوضوح والجلاء، فأمعنوا في التكذيب به والاستهزاء، وأصروا بعد قيام الدلائل، فكانوا كالجبال ثباتًا على ضلالهم، والحجارة الصلاب الثقال رسوخًا في لازب أوحالهم.
ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم شديد المحبة لهداهم والحزن على ضلالهم، والأسف على غيهم ومحالهم، وكان الضلال مع العقل أولًا، ثم مع وجود الرسل الذين هم من الصدق والمعجزات والأمور الملجئة إلى الهدى ثانيًا كالمحال، سلاه سبحانه بقوله على سبيل التأكيد لزيادة التحقيق: {ولقد ضل قبلهم} أي قبل من يدعوهم في جميع الزمان الذي تقدمهم {أكثر الأولين} بحيث إنه لم يمض قرن بعد آدم عليه السلام إلا وكله أو جله ضلال.
ولما كان ربما ظن أنه لعدم الرسل، نفى ذلك بقوله مؤكدًا لنحو ذلك: {ولقد أرسلنا} أي على ما لنا من العظمة التي توجب الإتيان بما لا ريب فيه من البيان {فيهم منذرين} أي فأنذروهم بأس الله وبينوا لهم أحسن البيان، ومع ذلك فغلب عليهم الضلال، وعناد أهل الحق بالمحال، حتى أهلكهم الله بما له من شديد المجال، وهو معنى قوله: {فانظر} أي فتسبب عن الإرسال أنا فعلنا في إهلاكهم من العجائب ما يستحق التعجيب به والتحذير من مثله بأن يقال لمن تخلف عنهم: انظر {كيف} ولما كان ذلك عادة مستمرة لم تختلف أصلًا قال: {كان عاقبة} أي آخر امر {المنذرين} أي في إنا أهلكناهم لتكذيبهم، فاصبر على الشدائد كما صبروا، واستمر على الدعاء بالبشارة والنذارة حتى يأتيك أمر الله.
ولما أفهم الحكم على الأكثر بالضلال أن الأقل على غير حالهم، نبه على حال الطائعين بقوله مستثنيًا من ضمير المنذرين: {إلا عباد الله} أي الذين استخلصهم سبحانه بما له من صفات الكمال، فاستحقوا الإضافة إلى اسمه الأعظم {المخلصين} أي الذين أخلصهم له فأخلصوا هم أعمالهم فلم يجعلوا فيها شوبًا لغيره. اهـ.